هو أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ثالث أئمّة أهل البيت الطاهرين، وثاني سبطَي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنة، وريحانة المصطفى، وأحد الخمسة أصحاب الكساءا وسيّد الشهداء، وأمه فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
وُلد الإمام الحسين سلام الله عليه.. فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله في استقباله والسرور يغمره، وقد عمّت البشرى سماواتِ الله تعالى وأرضيه، وذلك في عشيّة الخميس ليلة الجمعة، الثالث من شعبان الخير، في السنة الرابعة من الهجرة النبويّة المباركة.
قال الحموينيّ مسنِداً خبرَه إلى ابن عبّاس أنّه قال: لمّا وُلد الحسين بن عليّ أوحى الله عزّوجلّ إلى « مالك » خازن النار أن أخمِدِ النيران على أهلها؛ لكرامة مولود وُلد لمحمّدٍ في دار الدنيا (4).
أخذه جدُّه المصطفى الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وضمّه إلى صدره القدسيّ ثمّ قبّله، بعد ذلك أذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، وسمّاه ـ بأمر الله تعالى ـ «حُسَيناً»، وعقّ عنه كبشاً، وقال لأُمّه فاطمة صلوات الله عليها: إحلقي رأسه وتصدّقي بوزنه فضّة (5). وحنّكه صلّى الله عليه وآله بِرِيقه الزكيّ العاطر، وقيل: عقّ عنه بشاةٍ وتصدّق بِزِنة شعره المبارك.
خطاب الحقّ
ويهبط الوحي الكريم الأمين.. فتنزل آيات مباركات تشمل الحسين حبيبَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما خصّ اللهُ تعالى به أهل بيته الطيّبين، فكان قوله تعالى:
• وهُوَ الذي خَلقَ مِن الماءِ بشَرَاً فجَعَلَه نَسَباً وصِهْراً.. (6):
قال المفسّرون: أخرج أبو نعيم الحافظ وابن المغازلي الشافعيّ بسندَيهما عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عبّاس أنّه قال: نزلت هذه الآية في الخمسة من أَهل العباء. ثمّ قال: المراد من الماء نورُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي كان قبل خلق الخلق، ثمّ أودعه في صُلب آدم عليه السّلام، ثمّ نقله من صلبٍ إلى صلب.. إلى أن وصل صلبَ عبدالمطّلب فصار جزءين: جزء إلى صلب عبدالله فولد النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجزء إلى صلب أبي طالب فولد عليّاً عليه السّلام. ثمّ ألف النكاح فزُوّج عليّ بفاطمة فوَلَدا حسناً وحسيناً عليهم السّلام.
وأخرج الثعلبيّ والخوارزميّ عن ابن عبّاس، وكذا عن ابن مسعود وجابر الأنصاريّ والبراء وأنس وأمّ سلمة.. قالوا: نزلت هذه الآية في الخمسة من أهل العباء (7).
• وفي ظلّ الآية الشريفة: وجَعَلها كلمةً باقيةً في عَقِبهِ لعلّهم يَرجِعون (8) بسند ينتهي إلى الإمام عليّ عليه السّلام فيقول: فينا نزل قول الله عزّوجلّ ( الآية ).. أي جعل الإمامة في عقب الحسين عليه السّلام إلى يوم القيامة.
• وفي ظلّ الآية المباركة: مَرَجَ البحرَينِ يلتقيان ، عن أنس بن مالك قال مبيّناً مَن البحران: عليٌّ وفاطمة. يَخرجُ منهما اللُّؤلؤُ والمَرجان، قال أنس: الحسن والحسين.
وعن ابن عبّاس قال: عليٌّ وفاطمة بينهما برزخ ـ النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ، يخرج منهما الحسن والحسين صلوات الله عليهما.
وتنساب الآيات الشريفة تخصّ الإمام الحسين عليه السّلام مع أهل بيته الأطهار عليهم الصلاة والسّلام، مثل: آية التطهير ـ قوله تعالى: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرِّجْسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيرا (13)، وآية القربى أو المودّة ـ قوله تعالى: قُلْ لا أسألُكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى (14)، وآية المباهلة: فمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بعدِ ما جاءَك مِن العلمِ فقلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمّ نَبتهلْ فنجعلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبين .. وقد أجمع المفسّرون تقريباً على أنّ فاطمة الزهراء عليها السّلام هي المعنيّة بـ « نساءَنا »، وأن أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام هو المعنيَّ بـ « أنفسَنا »؛ إذ هو نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بصريح الآية الكريمة. أمّا الأبناء في المباهلة « وأبناءَنا » فلم يكونوا إلاّ الحسن والحسين صلوات ربّنا عليهما.
الحُجّة البالغة
لقد أقرّ المسلمون.. قديماً وحديثاً على مرّ العصور، أنّ الفضل لأهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لا يضاهيه بيت آخر، ثمّ الفضل والكرامة لمَن والاهم. وأمّا مَن جحدهم وهو يعلم، فذلك الظالم المنافق.. وكيف لا وقد سُمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول على مسامع المسلمين ومشاهدهم ـ مرّاتٍ عديدةً ـ فيها: «حسينٌ مني وأنا من حسين». «مَن سرَّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة فلْينظرْ إلى الحسين». «حسين سبط من الأسباط». «مَن أحبّني فلْيُحبَّ حسيناً». وخاطبه قائلاً: «إنّك سيد ابن سيّد أبو سادة، إنك إمام ابن إمام أبو أئمّة، إنك حجّة ابن حجّة أبو حُجج تسعة من صلبك، تاسعهم قأئمهم».
هذا.. إلى مئات الروايات التي نقلها العامّة والخاصّة، حتّى روى: أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ الشافعيّ في ( الإصابة في تمييز الصحابة 333:1 )، والخطيب البغداديّ في ( تاريخ بغداد 141:1 ) بسند ينتهي عن عبيد بن حنين، أنّ عمر بن الخطّاب قد قال للحسين سلام الله عليه في صِغر سنّه: إنّما أنبتَ ما ترى في رؤوسنا اللهُ ثمّ أنتم.
وربّما كنّى عمر بالشَّعر عن العلم أو الستر والوقاء، فيعني أنّه: ما كان من دين أو علم إلاّ أنبته الله ثمّ أهلُ البيت: النبيّ وآله صلوات الله عليهم، ومن الآل الكرام سيّد الشهداء الإمام السبط.. الحسين بن عليّ صلوات الله عليه.
الوليد المبارك:
ووضعت سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) وليدها العظيم، وزفّت البشرى إلى الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، فأسرع إلى دار عليّ والزهراء (عليهما السلام)، فقال لأسماء بنت عميس: (يا أسماء هاتي ابني)، فحملته إليه وقد لُفّ في خرقة بيضاء، فاستبشر النبي (صلَّى الله عليه وآله) وضمّه إليه، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى، فقالت أسماء: فداك أبي وأمي، ممّ بكاؤك؟ قال (صلَّى الله عليه وآله): (من ابني هذا). قالت: إنّه ولد الساعة، قال (صلَّى الله عليه وآله): (يا أسماء! تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي...).
ثمّ إنّ الرسول (صلَّى الله عليه وآله) قال لعليّ (عليه السلام): أيّ شيء سمّيت ابني؟ فأجابه علىّ (عليه السلام): (ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله). وهنا نزل الوحي على حبيب الله محمّد (صلَّى الله عليه وآله) حاملاً اسم الوليد من الله تعالى، وبعد أن تلقّى الرسول أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت إلى علي (عليه السلام) قائلاً: (سمّه حسيناً).
وفي اليوم السابع أسرع الرسول (صلَّى الله عليه وآله) إلى بيت الزهراء (عليها السلام) فعقّ عن سبطه الحسين كبشاً، وأمر بحلق رأسه والتصدّق بزنة شعره فضّة، كما أمر بختنه.
وهكذا أجرى للحسين السبط ما أجرى لأخيه الحسن السبط من مراسم.
اهتمام النبي (صلَّى الله عليه وآله) بالحسين (عليه السلام):
لقد تضافرت النصوص الواردة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بشأن الحسين (عليه السلام) وهي تبرز المكانة الرفيعة التي يمثّلها في دنيا الرسالة والأمة. ونختار هنا عدّة نماذج منها للوقوف على عظيم منزلته:
١ ـ روى سلمان أنّه سمع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول في الحسن والحسين (عليهما السلام): (اللّهمّ إنّي أحبهما فأَحِبَّهما وأحب من أحبّهما).
٢ ـ (من أحبّ الحسن والحسين أحببته، ومن أحببته أحبّه الله، ومن أحبّه الله عَزَّ وجَلَّ أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله خلَّده في النار).
٣ ـ (إنّ أبنىّ هذين ريحانتاي من الدنيا) .
٤ ـ رُوي عن ابن مسعود أنّه قال: كان النبي (صلَّى الله عليه وآله) يصلّي فجاء الحسن والحسين (عليهما السلام) فارتدفاه، فلمّا رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن وهذا على فخذه الأيسر، ثم قال: (من أحبّني فَلْيُحبّ هذين) .
٥ ـ (حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط) .
٦ ـ (الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، وأمهما أفضل نساء أهل الأرض) .
٧ ـ (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة) .
٨ ـ عن برّة ابنة أُمية الخزاعي أنّها قالت: لمّا حملت فاطمة (عليها السلام) بالحسن خرج النبي (صلَّى الله عليه وآله) في بعض وجوهه فقال لها: (إنّك ستلدين غلاماً قد هنّأني به جبرئيل، فلا ترضعيه حتّى أصير إليك) قالت: فدخلت على فاطمة حين ولدت الحسن (عليه السلام) وله ثلاث ما أرضعته، فقلت لها: أعطينيه حتّى أُرضعه، فقالت: (كلا) ثمّ أدركتها رقّة الأمهات فأرضعته، فلمّا جاء النبي (صلَّى الله عليه وآله) قال لها: (ماذا صنعت؟) قالت: (أدركني عليه رقّة الأمهات فأرضعته) فقال: (أبى الله عَزَّ وجَلَّ إلاّ ما أراد).
فلمّا حملت بالحسين (عليه السلام) قال لها: (يا فاطمة إنّك ستلدين غلاماً قد هنّأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتى أجيء إليك ولو أقمت شهراً)، قالت: (أفعل ذلك)، وخرج رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في بعض وجوهه، فولدت فاطمة الحسين (عليه السلام) فما أرضعته حتى جاء رسول الله فقال لها: (ماذا صنعت؟) قالت: (ما أرضعته) فأخذه فجعل لسانه في فمه فجعل الحسين يمصّ، حتى قال النبي (صلَّى الله عليه وآله): (إيهاً حسين إيهاً حسين)!! ثمّ قال: (أبى الله إلاّ ما يريد، هي فيك وفي ولدك) يعني الإمامة.
كنيته وألقابه (عليه السلام):
أمّا كنيته فهي: أبو عبد الله.
وأمّا ألقابه فهي: الرشيد، والوفي، والطيّب، والسيّد، والزكيّ، والمبارك، والتابع لمرضاة الله، والدليل على ذات الله، والسبط. وأشهرها رتبةً ما لقّبه به جدّه (صلَّى الله عليه وآله) في قوله عنه وعن أخيه: (أنّهما سيّدا شباب أهل الجنة). وكذلك السبط لقوله (صلَّى الله عليه وآله): (حسين سبط من الأسباط)./انتهى/
تعليقك